القائمة الرئيسية

الصفحات

شمس الدين التبريزي وقصة أحلامه العجيبة
شمس الدين التبريزي 

شمس الدين التبريزي يعد من أشهر الدراويش التي ما تزال سيرته تسطع بالذكر والحكمة والأقوال النورانية بين عالم المتصوفين، وكلمة درويش في الأساس معناها بالفارسية الباب أي الشخص المسؤول عن فتح الباب هذا هو الدرويش، وباختصار الدراويش هم جماعة تركوا حب الدنيا وريائها، تركوا الأواني الفاخرة والديكورات والنجف والخزف، تركوا كل هذه الأشياء التي تكلل القلب بحب الدنيا والتعلق بها.

يعيشون على عمل أيديهم أو يأخذون إحساناً من الناس مقابل العلم الذي تعلموه، حيث تنبع الحكمة والقول السديد من بين شفتيهم، وأمثلة الزهاد والدراويش كثيرة بتاريخ التصوف من بينهم الرفاعي والحاج بكتاش وجلال الدين الرومي الذي يعد علماً من أعلام التصوف، اما حديثنا اليوم عن معلم مولانا جلال الدين الرومي والمُلهم بالنسبة له فسنتعرف في السطور القادمة على شخصية فريدة الا وهي شمس التبريزي.  


ماذا تعرف عن شمس الدين التبريزي؟ 



شمس الدين التبريزي وقصة أحلامه العجيبة



مولده ونشاته 


 شمس الدين التبريزي من الأشخاص المحيرين أو المجهولين بالتاريخ الصوفي، وأقصد بالمجهول أنه لا يحب أن يذاع سيطه بين الناس رغم شهرته إلا انه كان يتسم بالغموض، وكان يبيت بالثلاثة أشهر في مكانٍ ويتفاجئ الناس به، وكان يمشي بين الناس يعرفهم وهم لا يعرفونه كانت شخصيته حقاً فريدة، ولد شمس الدين التبريزي في عام 1185 م، وهو شاعر مسلم فارسي ينسب إلى مدينة تبريز، شمال غرب إيران ومنذ نعومة أظافره أخبر والده الإمام علاء الدين وهو صغير عن رؤى قد راودته في صغره، حيث رأى انه  يصعد إلى السماء السابعة بخفة شديدة ويرى أيضاً انه يقع في حفرة داخل الأرض، وكان يرى الملائكة ويرى أشياء غاية في العجب لا يصدقها عقل، وكل هذه الرؤى والمنامات وهو لم يكد يبلغ الحلم بعد، وبعد إخبار شمس الدين التبريزي لوالده الإمام علاء الدين، نهره وقال له كف عن هذا الهراء ولم يصدقه. 


حقيقة شمس التبريزي وأحلامه


عرف شمس الدين التبريزي أنه مختلف انه يمتلك شيئاً غير عادي ومن هنا سلك الطريق الذي يدل على الذات العليا، سلك طريق العلم وحب الله فغادر المنزل ليتحول إلى درويش متنقل يطوف البلاد شرقاً وغرباً بحثاً عن الله، مشى فوق كافة الطرق خطى في طرق منسية لا يعلمها سوى الله، اقام في حانات واضرحة وكل مكان يستطيع ان يستلقي عليه أقام فيه، تأمل مع النساك بالكهوف، رقص تحت انوار القمر، جالس مع الصالحين بحلقات الذكر. 

كل هذه المعارف والعلوم الذي تلقاها من إخوانه من البشر من تصرفاتهم، تعلمها بل حفظها حتى صارت أخاديد بروحه، لتكتمل بعدها معارفه ومداركه بعد قاعدته الأربعين، حيث نظم أربعين قاعدة ودستور للعشق الإلهي وبعدها كأي شخص يريد أن يترك وصية ترى أي وصية يتركها شمس الدين التبريزي؟ 

بعدما وضع شمس الدين التبريزي قاعدته الأربعين في الحب الإلهي طلب من الله أن يسوقه ويهديه إلى رفيق، رفيق يأخذ هذه العلوم يهدي الناس بكلمات جزيلة تعرفهم أن حب الله يروى الظمأ، ويلبي الحاجات ويفرج الكروب، يدعوا الناس لحب الله وحب رسوله لكن من هو؟ 

بعد أن طلب من الله هذا الطلب كان يرى في منامه كل ليلة هي لحظة وفاته ومقتله، ويجد رفيقه هذا يحزن عليه ويصرخ ويقول قتلوا شمس ! قتلوا شمس! لذلك كان شمس الدين التبريزي بين مفترق للطرق أن يذهب لرفيقه هذا وهو عليم بأن أي خطوة إلى قونية هي أول خطوة إلى دار الحق، او ان يظل سائحاً في بلاد الله ليتمتع بالحياة وتعاليمها بعض الوقت، إلا أنه اختار ان يُقتل وأن يذهب إلى رفيقه الروحي ليعلمه من العلوم ما كاد أن يتعلمها قط، وبالفعل غادر بعد أن أراه الله بمنامه ان الشخص الذي يبحث عنه الذي سيكون رفيقه الروحي وسيألف له ديواناً كاملاً من ألف بيت باسمه سيكون في انتظاره بقونية، ألا عرفتم من هو رفقيه الروحي إنه مولانا جلال الدين الرومي.

وأشار مستشرق انجليزي يدعى نيكلسون بمقدمة كتابة "غزليات مختارة" أن شمس الدين التبريزي كان مزيج من الحماسة الروحية والفكرية، استطاع أن يخطف لب من يسمعه من نبرات صوته وهدوءه وعينياه الحالمتين، وفقره المدقع وموته العنيف، جعلانه معشوقاً بالنسبة إلى الجماهير كسقراط أبو الفلاسفة، فكلاهما اكتشفا كم ان العلوم التي نقرأها هي زائفة، مقابل العلوم الإلهية التي لا نعلم عنها الكثير، وان من العلوم الإلهية هي الحب وعلى قدر قيمة الحب في حياتنا نستطيع أن نعرف ونتعرف على انفسنا. 

بحسب ما ذكره المؤرخون ان شمس الدين التبريزي، اثار غيرة وحفيظة طلاب جلال الدين الرومي لأن ما ان عرفه جلال الدين الرومي شمس إلا وانكب عليه ينهل من العلوم التي لم يعلمها أحد لمولانا فأصبحا يجلسان جلسات مطولة دون ان ينبسا ببنت شفة ولا ان يأكلا الطعام حتى، يتكلمان بالأعين فأخذ يتعلم من شمس الدين التبريزي، وترك دار الإفتاء وترك طلابه فغار عليه الطلاب من شمس التبريزي، فقرروا وقتها أن شمس الدين التبريزي هو السبب في هذا الخلل الذي أصبح مولانا عليه، وقرروا أن يقتلوه. 


قتلوا شمس قتلوا شمس 


تمامًا مثلما رأى في منامه من قبل رأى انه يُقتل في سبيل تعليم رفيقه الروحي، وتم قتله من قبل طلاب جلال الدين الرومي، وقاموا باغتياله في حادث طرق على الباب بعام 1248، تاركاً رفيقه الروحي متألماً يبكي كل يوم على رفيقة يقول قتلوا شمس قتلوا شمس ويقول " قد يأتي أحدهم خفيفًا يطفو بجانبك في كل هذا الغرق كجذعِ شجرةٍ يصلحُ للنجاة لكل رومي شمس" ودفن شمس الدين التبريزي بمدينة خوي شمال إيران، وتحولت مقبرته إلى موقع من مواقع التراث العالمي، تابعاً لمنظمة اليونيسكو. 


اقوال شمس الدين التبريزي 


من قواعد العشق الإلهي التي نظمها شمس الدين التبريزي نورد لكم ما يلي، هذه القواعد مقتبسة من الروائية التركية إليف شافاق لها كل الشكر والتقدير. 


  • إن الطريقة التي نرى فيها الله ما هي إلا إنعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا، فإذا لم يكن الله يجلب لنا سوى الخوف والملامة فهذا يعنى أن قدرً كبيراً من الخوف والملامة يتدفق لقلوبنا، أما إذا رأينا الله مُفعماً بالمحبة والرحمة فإننا نكون كذلك.


  • إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس، فاجعل قلبك، لا عقلك، دليلك الرئيسي. واجه، تحدَّ، وتغلب في نهاية المطاف على "النفس" بقلبك. إن معرفتك بنفسك ستقودك إلى معرفة الله.


  • يتكون الفِكر والحب من مواد مختلفة، فالفكر يربط البشر في عُقَد لكن الحب يذيب جميع العُقَد، إن الفِكر حذرٌ على الدوام وهو يقول ناصحاً "إحذر الكثير من النشوة" بينما الحب يقول "لا تكترث أقدم على هذه المجازفة" وفي حين أن الفكر لا يُمكن أن يتلاشى بسهولة، فإن الحب يتهدم بسهولة ويصبح ركاماً من تلقاء نفسه. لكن الكنوز تتوارى بين الأنقاض، والقلب الكسير يخبئ كنوزاً.


  • إنه يمكنك أن تدرس الله من خلال كل شيء وكل شخص في هذا الكون، لأن وجود الله لا ينحصر في المسجد أو في الكنيسة، لكنك إذا كنت لا تزال تريد أن تعرف أين يقع عرشه بالتحديد، يوجد مكان واحد فقط تستطيع رؤيته وهو قلب عاشق حقيقي، فلم يعش أحد بعد رؤيته ولم يمت أحد بعد رؤيته. فمن يجده يبقى معه إلى الأبد.


  • تنبع مُعظم مشاكل العالم من أخطاء لغوية ومن سوء فهم بسيط، لا تأخذ الكلمات بمعناها الظاهري مُطلقا وعندما تلج دائرة الحب تكون اللغة التي نعرفها قد عفى عليها الزمن، فالشيء الذي لا يمكن التعبير عنه بكلمات لا يمكن إدراكُه إلا بالصمت.


  • لا يوجد فرق كبير بين الشمال والجنوب والغرب والشرق، فمهما كانت وجهتك، يجب أن تجعل الرحلة التي تقوم بها رحلة في داخلك. فإذا سافرت في داخلك فسيكون بوسعك إجتياز العالم الشاسع وما وراءه.


هل اعجبك الموضوع :
author-img
مصطفى سرحان مدون مصري

تعليقات

التنقل السريع